فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)}.
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة، واعلم أن وجوه الأنعام وإن كانت كثيرة إلا أنها محصورة في نوعين إيصال المنافع إليه ودفع المضار عنه والله تعالى ذكر القسمين ههنا، فقوله: {وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون} إشارة إلى إيصال المنافع إليهما، وقوله: {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا مِنَ الكرب العظيم} إشارة إلى دفع المضار عنهما.
أما القسم الأول: وهو إيصال المنافع، فلا شك أن المنافع على قسمين: منافع الدنيا ومنافع الدين، أما منافع الدنيا فالوجود والحياة والعقل والتربية والصحة وتحصيل صفات الكمال في ذات كل واحد منهما، وأما منافع الدين فالعلم والطاعة، وأعلى هذه الدرجات النبوة الرفيعة المقرونة بالمعجزات الباهرة القاهرة، ولما ذكر الله تعالى هذه التفاصيل في سائر السور، لا جرم اكتفى هاهنا بهذا الرمز.
وأما القسم الثاني: وهو دفع الضرر فهو المراد من قوله: {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا مِنَ الكرب العظيم} وفيه قولان: قيل إنه الغرق، أغرق الله فرعون وقومه، ونجى الله بني إسرائيل، وقيل المراد أنه تعالى نجاهم من إيذاء فرعون حيث كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه منَّ على موسى وهارون، فصل أقسام تلك المنة.
والهاء في قوله: {ونصرناهم} أي نصرنا موسى وهارون وقومهما: {فَكَانُواْ هُمُ الغالبين} في كل الأحوال بظهور الحجة وفي آخر الأمر بالدولة والرفعة وثانيهما: قوله تعالى: {وءاتيناهما الكتاب المستبين} والمراد منه التوراة، وهو الكتاب المشتمل على جميع العلوم التي يحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا، كما قال: {إِنَّا أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44]، وثالثها: قوله تعالى: {وهديناهما الصراط المستقيم} أي دللناهما على طريق الحق عقلًا وسمعًا، وأمددناهما بالتوفيق والعصمة، وتشبيه الدلائل الحقة بالطريق المستقيم واضح ورابعها: قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا في الأخرين} وفيه قولان الأول: أن المراد {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا في الأخرين} وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم قولهم: {سلام على موسى وهارون} والثاني: أن المراد {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا في الأخرين} وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الثناء الحسن والذكر الجميل، وعلى هذا التقدير فقوله بعد ذلك: {سلام على موسى وهارون} هو كلام الله تعالى، ولما ذكر تعالى هذه الأقسام الأربعة من أبواب التعظيم والتفضيل قال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} وقد سبق تفسيره، ثم قال تعالى: {إِنَّهمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} والمقصود التنبيه، على أن الفضيلة الحاصلة بسبب الإيمان أشرف وأعلى وأكمل من كل الفضائل، ولولا ذلك لما حسن ختم فضائل موسى وهارون بكونهما من المؤمنين، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وَهَارُونَ}.
لما ذكر إنجاء إسحاق من الذبح، وما منّ به عليه بعد النبوّة، ذكر ما منّ به أيضًا على موسى وهارون من ذلك.
وقوله: {مِنَ الكرب العظيم} قيل: من الرق الذي لحق بني إسرائيل.
وقيل من الغرق الذي لحق فرعون.
{وَنَصَرْنَاهُمْ} قال الفراء: الضمير لموسى وهارون وحدهما؛ وهذا على أن الاثنين جمع؛ دليله قوله: {وَآتَيْنَاهُمَا} {وَهَدَيْنَاهُمَا}.
وقيل: الضمير لموسى وهارون وقومهما وهذا هو الصواب؛ لأن قبله {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا}.
و{الكتاب المستبين} التوراة؛ يقال استبان كذا أي صار بيِّنًا؛ واستبانه فلان مثل تبيّن الشيء بنفسه وتبيّنه فلانٌ.
و{الصراط المستقيم} الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه وهو دين الإسلام.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرين} يريد الثناء الجميل.
{سَلاَمٌ على موسى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تقدّم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون} أي أنعمنا عليهما بالنبوَّة وغيرِها من النِّعم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا} وهم بنُو إسرائيلَ {مِنَ الكرب العظيم} هو مَلَكةُ آل فرعونَ وتسلطهم عليهم بألوان الغَشَمِ والعذاب كما في قوله تعالى: {وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ} وقيل هو الغَرَقُ وهو بعيد لأنَّه لم يكن عليهم كَربًا ومشقةً.
{ونصرناهم} أي إيَّاهما وقومَهما على عدوِّهم {فَكَانُواْ} بسبب ذلك {هُمُ الغالبين} عليهم غلبةً لا غايةَ وراءها بعد أنْ كان قومُهما في أسرِهم وقَسْرِهم مقهورين تحت أيديهم العادية يسومُونهم سوء العذاب. وهذه التَّنجيةُ وإن كانتْ بحسب الوجودِ مقارنةً لما ذُكر من النَّصرِ والغَلَبة لكنَّها لما كانتْ بحسب المفهومِ عبارة عن التَّخليصِ من المكروهِ بُدىء بها ثمَّ بالنَّصر الذي يتحقَّقُ مدلُوله بمحضِ تنجيةِ المنصورِ من عدوِّه من غير تغليبهِ عليه ثم بالغلبةِ لتوفيةِ مقام الامتنانِ حقَّه بإظهار أنَّ كلَّ مرتبةٍ من هذه المراتبِ الثَّلاثِ نعمةٌ جليلةٌ على حيالها.
{وءاتيناهما} بعد ذلك {الكتاب المستبين} أي البليغَ في البيان والتَّفصيلِ وهو التَّوراةُ {وهديناهما} بذلك {الصراط المستقيم} الموصِّلَ إلى الحقِّ والصَّوابِ بما فيه من تفاصيلِ الشَّرائعِ وتفاريعِ الأحكامِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا في الاخرين سلام على موسى وهارون} أي أبقينا فيما بين الأممِ الآخرين هذا الذِّكرَ الجميلَ والثَّناءَ الجزيلَ {إِنَّا كَذَلِكَ} الجزاءِ الكاملِ {نَجْزِى المحسنين} الذين هُما من جُملتهم لا جزاء قاصرًا عنه {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} سبق بيانُه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)}.
أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية.
{ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا مِنَ الكرب العظيم} هذا وما بعده من قبيل عطف الخاص على العام، والكرب العظيم تغلب فرعون ومن معه من القبط، وقيل الغرق وليس بذاك.
{ونصرناهم} الضمير لهما مع القوم وقيل لهما فقط وجيء به ضمير جمع لتعظيمهما {فَكَانُواْ هُمُ الغالبون} بسبب ذلك على فرعون وقومه؛ و{هُمْ} يجوز أن يكون فصلًا أو توكيدًا أو بدلًا، والتنجية وإن كانت بحسب الوجود مقارنة لما ذكر من النصر لكنها لما كانت بحسب المفهوم عبارة عن التلخيص عن المكروه بدأ بها ثم بالنصر الذي يتحقق مدلوله بمحض تنجية المنصور من عدوه من غير تغلب عليه ثم بالغلبة لتوفية مقام الامتنان حقه بإظهار أن كل مرتبة من هذه المراتب الثلاث نعمة جليلة على حيالها.
{وءاتيناهما} بعد ذلك {الكتاب المستبين} أي البليغ في البيان والتفصيل كما يشعر به زيادة البنية وهو التوراة.
{وهديناهما} بذلك {الصراط المستقيم} الموصل إلى الحق والصواب بما فيه من تفاصيل الشرائع وتفاريع الأحكام.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)}.
الكلام فيه نظير ما سبق في نظيره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)}.
عطف على قوله: {ولقد نادانا نوحٌ} [الصافات 75]، والمناسبة هي ما ذكر هنالك.
وذكر هنا ما كان منة على موسى وهارون وهو النبوءة فإنها أعظم درجة يُرفَع إليها الإِنسان، ولذلك اكتفي عن تعيين الممنون به لحمل الفعل على أكمل معناه.
وجعلت منة من الله عليهما لأن موسى لم يسأل النبوءة إذ ليست النبوءة بمكتسبة وكانت منّة على هارون أيضًا لأنه إنما سأل له موسى ذلك ولم يسأله هارون، فهي منة عليه وإرضاء لموسى، والمنة عليهما من قبيل إيصال المنافع فَإن الله أرسل موسى لإِنقاذ بني إسرائيل من استعباد القبط لإِبراهيم وإسرائيل.
وفي اختلاف مبادئ القصص الثلاث إشارة إلى أن الله يغضب لأوليائه؛ إما باستجابة دعوة، وإما لجزاء على سلامة طوية وقلب سليم، وإما لرحمة منه ومنّة على عباده المستضعفين.
وإنجاء موسى وهارون وقومهما كرامة أخرى لهما ولقومهما بسببهما، وهذه نعمة إزالة الضر، فحصل لموسى وهارون نوعا الإِنعام وهما: إعطاء المنافع، ودفع المضار.
و{الكرب العظيم} هو ما كانوا فيه من المذلة تحت سلطة الفراعنة ومن اتّباع فرعون إياهم في خروجهم حين تراءى الجمعان فقال أصحاب موسى {إنّا لمدرَكون} [الشعراء: 61] فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر فضربه فانفلق واجتاز منه بنو إسرائيل، ثم مد البحرُ أمواجه على فرعون وجنده، على أن الكرب العظيم أطلق على الغرق في قصة نوح السابقة وفي سورة الأنبياء على الأمم التي مرّوا ببلادها من العمالقة والأموريين فكان بنو إسرائيل منتصرين في كل موقعة قاتلوا فيها عن أمر موسى وما انهزموا إلا حين أقدموا على قتال العمالقة والكنعانيين في سهول وادي شكول لأن موسى نهاهم عن قتالهم هنالك كما هو مسطور في تاريخهم.
و{هم} من قوله: {فكانوا هُمُ الغالِبينَ} ضمير فصل وهو يفيد قصرًا، أي هم الغالبين لغيرهم وغيرهم لم يغلبوهم، أي لم يغلبوا ولو مرة واحدة فإن المنتصر قد ينتصر بعد أن يُغلب في مواقع.
{وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)}.
{الكِتابَ المُسْتَبينَ} هو التوراة، والمستبين القوي الوضوح، فالسين والتاء للمبالغة يقال: استبان الشيء إذا ظهر ظهورًا شديدًا.
وتعدية فعل الإيتاء إلى ضمير موسى وهارون مع أن الذي أوتي التوراة هو موسى كما قال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} [المؤمنون: 49] من حيث إن هارون كان معاضدًا لموسى في رسالته فكان له حظ من إيتاء التوراة كما قال الله في الآية الأخرى {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} [الأنبياء: 48] وهذا من استعمال الإِيتاء في معنييه الحقيقي والمجازي.
و{الصِّراطَ المُستقيمَ} الدين الحق كما تقدم في سورة الفاتحة، وقد كانت شريعة التوراة يوم أوتيها موسى عليه السلام هي الصراط المستقيم فلمّا نسخت بالقرآن صار القرآن هو الصراط المستقيم للأبد وتعطل صراط التوراة.
ويجوز أن يراد ب {الصراط المستقيم} أصول الديانة التي لا تختلف فيها الشرائع وهي التوحيد وكليات الشرائع التي أشار إليها قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا إلى قوله وموسى وعيسى} [الشورى: 13].
والقول في تفسير {وتركنا عليهما في الآخرينَ} إلى آخر الآيات الأربع كالقول في نظائره عند ذكر نوح في هذه السورة، إلا أن احتمال أن تكون جملة {سلامٌ على موسى وهارون} مفعولًا لفعل {تركنا عليهما} على إرادة حكاية اللفظ هنا أضعف منه فيما تقدم إذ ليس يطرد أن يكون تسليم الآخرين على موسى وهارون معًا لأن الذي ذكر موسى يقول: السلام على موسى والذي يجري على لسانه ذكر هارون يقول: السلام على هارون ولا يجمع اسميهما في السلام إلا الذي يجري على لسانه ذكرهما معًا كما يقول المحدث عن جابر: رضي الله عنه، ويقول عن عبد الله بن حرام رضي الله عنه فإذا قال: عن جابر بن عبد الله، قال: رضي الله عنهما.
وفي ذكر قصة موسى وهارون عبرة مثَل كامل للنبيء صلى الله عليه وسلم في رسالته وإنزال القرآن عليه وهدايته وانتشار دينه وسلطانه بعد خروجه من ديار المشركين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)} مَنَّ عليهما بالنبوة، وبالنجاة من فرعون وقومه، وبنصرته عليهم.
{وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)} يعني التوراة.
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)} بالتبري عن الحوْل والقوة، وشهود عين التوحيد. اهـ.